رسالة مفتوحة إلى وزير الصحة
السيد المحترم وزير الصحة المحترم،
أتوجه إليكم كمواطن التزم بأقصى ما يمكن من الانضباط لتوصيات الحكومة وإجراءات السلطات، حيث التزمت ببيتي ولم أخرج إلا للضرورة القصوى حتمها علي موقعي كرب أسرة. وتوجهي إليكم لا يرنو أن يكون ، بعد كل هذا الالتزام، تعبيرا عن عصيان أو اعتراضا على ما ستقرره الحكومة، بل لا يعدو الأمر أن يكون شكوى وفي نفس الوقت تذكيرا بمبادئ من دون شك أنتم ملمون بها.
السيد الوزير،
لقد ثمنا عاليا الجهود والإجراءات التي قامت بها السلطات الحكومية بمختلف قطاعاتها المعنية من أجل تجنيب بلادنا كارثة إنسانية وسمحت التدخلات الاحترازية التي كان المغرب سباقا إلى القيام بها من أجل ألا تنكشف عورات مؤسساتنا الاستشفائية ونقصنا الفظيع من حيث الموارد البشرية الطبية وشبه الطبية . وهكذا سمحت تلك الإجراءات الشجاعة بأن يتبن المواطن أن الدولة حاضرة وبقوة وأنها ضرورية وأن ما كان يخالج البعض من مراء وشك في كون بعض المواطنين لا تجمعهم بالحكومة سوى البطاقة الوطنية كانوا خاطئين على طول الخط. فالسلطات حققت الشعور بالأمن الجمعي بكل مكوناته المرتبطة بالاكتفاء الغذائي والأمن من كل ما يمكن أن يهدد السلامة والصحة والبقاء. لذلك لاحظنا تلك الدينامية الجديدة في العلاقة بالسلطة وقام الناس برفع بعض رجال ونساء السلطة إلى مستوى النجومية وتصالح المواطنون مع ممرضات وأطباء المستشفيات العمومية وقدروا بشكل عالي عمال النظافة لأنهم شكلوا دروعا ضد جائحة فيروس مجهول الهوية قضى في رمشة عين على تباهي دول إلى ما قبل ثلاثة أشهر بمنظومتها الصحية التي بلغت حدا في بعض الأحيان أصبح التكفل فيها بالمريض يخضع لمعايير الصلاحية.
وتتبعنا، يوميا، تصريحات وزارتكم حول عدد الحالات الجديدة واستدمجنا مفاهيم جديدة كنسب الفتك والإماتة و R0وفرحنا كل مرة بتنامي نسب الشفاء وبصور مواطنين يلوحون بأياديهم وهي تذرف دموع الفرح مغادرين مؤسسة الاستشفاء عائدين إلى أحضان أسرهم.
ومن دون شك وبإيعاز من قطاعكم ومن اللجنة الوطنية التي تدبر الجائحة، قرر رئيس الحكومة تمديد الحجر الصحي إلى موعد سينتهي بعد يومين. ووعيا منا بأن أي قرار سيصدر في هذا الشأن سيأخذ بعين الاعتبار مصلحة الناس وسلامتهم، فقد رضخنا لذلك القرار ورجحنا كفة السلامة على كفة كل متع حرية التحرك. وبالرغم من صدمة التجديد لكونه جاء ليكسر مطمح التحرر وانتظاريته، فإنه مع ذلك تم القبول به.
السيد الوزير،
من دون شك، أنكم اطلعتم على مختلف الدراسات سواء تلك التي أجريت في مجموعة من الدول أو تلك الدراسات الاستطلاعية التي أجريت هنا بالمغرب وفي دول مجاورة حول تأثير الحجر الصحي وتداعياته النفسية ومترتباته سواء على المستوى الانفعالي أو العقلي أو الاجتماعي , لن أحدثكم عن مترتباته الاقتصادية وعن ما يعانيه عمال ومستخدمون وصناع صغار من انقطاع للرزق، فقد تردون بأن حكومتكم رجحت كفة الإنسان على كفة الاقتصاد وانا أشاطركم هذه القناعة لأن ابن آدم هو أغلى رأسمال.
الحجر درأ عن البلاد مجموعة من الكوارث لكنه أفرز كوارث أيضا لا تقل خطورة. أفرز زيادة في التوتر النفسي ستبرز عواقبها في ما بعد، كما أفرز مشاعر بالضياع وباللايقين وخلق أمراض نفسية عضوية وعادات سلوكية بعضها إيجابي لكن بعضها الآخر جد سلبي كفقدان الموجهات والحزن واليأس أحيانا وتصاعد الأفكار الانتحارية وتنامي حالات الانتحار.
أنتم تراهنون على الصحة، وأنا معكم أريد لسكان هذه الأرض الطيبة وللعالم بأسره أن تعم الصحة الجميع، لكن تعالوا، السيد الوزير، نضبط المفاهيم، فما الصحة وما محدداتها؟ يقول دستور المنظمة العالمية للصحة ” الصحة هي حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرّد انعدام المرض أو العجز. ) مُقتبس من ديباجة دستور منظمة الصحة العالمية، 1946.
اعتبارا لذلك، ألا تأخذون بعين الاعتبار أننا عندما نتحدث عن الصحة أو نراهن عليها أو نتبنى مقاربتها في الاستجابة لجائحة كوفيد- 19 أن علينا أن نأخذ مفهوم الصحة بمعناه الواسع لا الضيق. الصحة ليست فقط خلوا من المرض، الصحة التي نريدها لمواطنينا ليست فقط خلوا من فيروس كورونا، بل هي الرفاه الجسدي والنفسي والعقلي والاجتماعي.
إن ما يقارب ثلاثة أشهر من التضحية بالنفسي والعقلي والاجتماعي لفائدة الجسمي لا يمكن إلا أن تبرز بترا للمفهوم واستنقاصا من قيمة وخطورة جوانب ثلاثة من الجوانب الأربعة للشخصية. وأنتم تعلمون، السيد الوزير، أن جوانب الشخصية متفاعلة ومتكاملة وتشكل نسقا وبنية وكلا.
فهل ستستمرون في التضحية بالنفسي والعقلي والاجتماعي لفائدة الجسدي وهل ستركزون مقاربة الاستهانة بالنفسي والانفعالي الذي ظل سائدا في مؤسساتنا سواء الاستشفائية أو التعليمية أو غيرها؟ أم أنكم هذه المرة ستستحضرون بنفس الميزان قيمة ووزن كل جانب من جوانب الشخصية المتفاعلية؟
إن ما أتمناه كمواطن، والحكومة ستستمع إلى تقريركم من أجل اتخاذ قرار رفع الحجر أو تمديده، هو أن تستحضروا تعريف المنظمة العالمية للصحة وأن تكون نظرتكم نسقية وألا يتغلب تخصص الطبب الجسدي على قرار يهم الصحة كل الصحة .
مع صادق التحية.
(عزوز التوسي) Azzouz Ettoussi
Consultant psychologique auprès de la GDGSR/ OCP MAROC